فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن خالويه: بتقدير في قبضته، هذا قول الكوفيين.
وأما أهل البصرة فلا يجيزون ذلك، كما لا يقال: زيد دارًا انتهى.
وقال الزمخشري: جعلها ظرفًا مشبهًا للوقت بالمبهم.
وقرأ عيسى، والجحدري: {مطويات} بالنصب على الحال، وعطف {والسموات} على {الأرض} فهي داخلة في حيز والأرض، فالجميع قبضته.
وقد استدل بهذه القراءة الأخفش على جواز: زيد قائمًا في الدار، إذ أعرب والسموات مبتدأ، وبيمينه الخبر، وتقدمت الحال والمجرور، ولا حجة فيه، إذ يكون والسموات معطوفًا على والأرض، كما قلنا، وبيمينه متعلق بمطويات، ومطويات: من الطي الذي هو ضد النشر، كما قال تعالى: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} وعادة طاوي السجل أن يطويه بيمينه.
وقيل: قبضته ملكه بلا مدافع ولا منازع، وبيمينه: وبقدرته.
قال الزمخشري: وقيل: مطويات بيمينه: مفنيات بقسمه، لأنه أقسم أن يفنيها؛ ثم أخذ ينحى على من تأول هذا التأويل بما يوقف عليه في كتابه، وإنما قدر عظمته بما سبق إردافه أيضًا بما يناسب من ذلك، إذ كان فيما تقدم ذكر حال الأرض والسموات يوم القيامة، فقال: {ونفخ في السور} وهل النفخ في الصور ثلاث مرات أو نفختان؟ قول الجمهور: فنفخة الفزع هي نفخة الصعق، والصعق هنا الموت، أي فمات من في السموات ومن في الأرض.
قال ابن عطية: والصور هنا: القرن، ولا يتصور هنا غير هذا.
ومن يقول: الصور جمع صورة، فإنما يتوجه قوله في نفخة البعث.
وروي أن بين النفختين أربعين.
انتهى، ولم يعين.
وقراءة قتادة، وزيد بن عليّ هنا: في الصور، بفتح الواو جمع صورة، يعكر على قول ابن عطية، لأنه لا يتصور هنا إلا أن يكون القرن، بل يكون هذا النفخ في الصور مجازًا عن مشارفة الموت وخروج الروح.
وقرئ: {فصعق} بضم الصاد، والظاهر أن الاستثناء معناه: {إلا من شاء الله} فلم يصعق: أي لم يمت، والمستثنون: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، أو رضوان خازن الجنة، والحور، ومالك، والزبانية؛ أو المستثنى الله، أقوال آخرها للحسن، وما قبله للضحاك.
وقيل: الاستثناء يرجع إلى من مات قبل الصعقة الأولى، أي يموت من في السموات والأرض إلا من سبق موته، لأنهم كانوا قد ماتوا، وهذا نظير: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} ثم نفخ فيه أخرى، واحتمل أخرى على أن تكون في موضع نصب، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور، كما أقيم في اوول، وأن يكون في موضع رفع مقامًا مقام الفاعل، كما صرح به في قوله: {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة} {فإذا هم قيام ينظرون} أي أحياء قد أعيدت لهم الأبدان والأرواح، {ينطرون} أي ينتظرون ما يؤمرون، أو ينتظرون ماذا يفعل بهم، أو يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب عظيم.
والظاهر قيامهم الذي هو ضد القعود لأجل استيلاء الذهن عليهم.
وقرأ زيد بن علي: {قيامًا} بالنصب على الحال، وخبر المبتدأ الظرف الذي هو إذا الفجائية، وهي حال لابد منها، إذ هي محط الفائدة، إلا أن يقدر الخبر محذوفًا، أي فإذا هم مبعوثون، أي موجودون قيامًا.
وأن نصبت {قيامًا} على الحال، فالعامل فيها ذلك الخبر المحذوف.
إن قلنا الخبر محذوف، وأن لا عامل، فالعامل هو العامل في الظرف، فإن كان إذا ظرف مكان على ما يقتضيه كلام سيبويه، فتقديره: فبالحضرة هم قيامًا؛ وإن كان ظرف زمان، كما ذهب إليه الرياشي، فتقديره: ففي ذلك الزمان الذي نفخ فيه، هم أي وجودهم، واحتيج إلى تقدير هذا المضاف لأن ظرف الزمان لا يكون خبرًا عن الجثة؛ وإن كانت إذا حرفًا، كما زعم الكوفيون، فلابد من تقدير الخبر، إلا أن اعتقد أن ينظرون هو الخبر، ويكون ينظرون عاملًا في الحال.
وقرأ الجمهور: {وأشرقت} مبنيًّا للفاعل، أي أضاءت؛ وابن عباس، وعبيد بن عمير، وأبو الجوزاء: مبنيًّا للمفعول من شرقت بالضوء تشرق، إذا امتلأت به واغتصت وأشرقها الله، كما تقول: ملأ الأرض عدلًا وطبقها عدلًا، قاله الزمخشري.
وقال ابن عطية: وهذا إنما يترتب على فعل يتعدى، فهذا على أن يقال: أشرق البيت وأشرقه السراج، فيكون الفعل مجاوزًا وغير مجاوز، كرجع ورجعته ووقف ووقفته.
والأرض في هذه الآية: الأرض المبدلة من الأرض المعروفة، ومعنى أشرقت: أضاءت وعظم نورها. انتهى.
وقال صاحب اللوامح: وجب أن يكون الإشراق على هذه القراءة منقولًا من شرقت الشمس إذا طلعت، فيصير متعديًا بالفعل بمعنى: أذهبت ظلمة الأرض، ولا يجوز أن يكون من أشرقت إذا أضاءت، فإن ذلك لازم، وهذا قد تعدى إلى الأرض لما لم يذكر الفاعل، وأقيمت الأرض مقامه؛ وهذا على معنى ما ذهب إليه بعض المتأخرين من غير أن يتقدم في ذلك، لأن من الأفعال ما يكون متعديًا لازمًا معًا على مثال واحد. انتهى.
وفي الحديث الصحيح: «يحشر الناس على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، ليس بها علم لأحد بنور ربها» قيل: يخلق الله نورًا يوم القيامة، فيلبسه وجه الأرض، فتشرق الأرض به، وقال ابن عباس: النور هنا ليس من نور الشمس والقمر، بل هو نور يخلقه الله فيضيء الأرض.
وروي أن الأرض يومئذ من فضة، والمعنى: أشرقت بنور خلقه الله تعالى، أضافه إليه إضافة الملك إلى الملك.
وقال الزمخشري: استعار الله النور للحق، والقرآن والبرهان في مواضع من التنزيل، وهذا من ذلك.
والمعنى: وأشرقت الأرض بما يقيمه فيها من الحق والعدل، وبسط من القسط في الحسنات، ووزن الحسنات والسيئات، وينادي عليه بأنه مستعار إضافته إلى اسمه، لأنه هو الحق العدل، وإضافة اسمه إلى الأرض، لأنه يزينها حين ينشر فيها عدله، وينصب فيها موازين قسطه، ويحكم بالحق بين أهلها، ولا ترى أزين للبقاع من العدل ولا أعمر لها منه، ويقولون للملك العادل: أشرقت الآفاق بعدلك وأضاءت الدنيا بقسطك، كما يقولون: أظلمت البلاد بجور فلان.
وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم: «الظلم ظلمات يوم القيامة» وكما فتح الآية بإثبات العدل، ختمها بنفي الظلم.
{ووضع الكتاب} أي صحائف الأعمال ووحد، لأنه اسم جنس، وكل أحد له كتاب على حدة، وأبعد من قال: الكتاب هنا اللوح المحفوظ.
وروي ذلك عن ابن عباس، ولعله لا يصح، وقد ضعف بأن الآية سيقت مقام التهديد في سياق الخير.
{وجيء بالنبيين} ليشهدوا على أممهم، {والشهداء} قيل: جمع شاهد، وهم الذين يشهدون على الناس بأعمالهم.
وقيل: هم الرسل من الأنبياء.
وقيل: أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلم، يشهدون للرسل.
وقال عطاء، ومقاتل، وابن زيد: الحفظة.
وقال ابن زيد أيضًا: النبيون، والملائكة، وأمة محمد عليه السلام، والجوارح.
وقال قتادة: الشهداء جمع شهيد، وليس فيه توعد، وهو مقصود الآية.
{وقضى بينهم} أي بين العالم، ولذلك قسموا بعد إلى قسمين: أهل النار وأهل الجنة، {بالحق} أي بالعدل.
{ووفيت كل نفس} أي جوزيت مكملًا.
{وهو أعلم بما يفعلون} فلا يحتاج إلى كاتب ولا شاهد، وفي ذلك وعيد وزيادة تهديد. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{وَيُنَجّى الله الذين اتقوا} الشِّركَ والمعاصيَ أي من جهنَّم. وقُرئ {يُنْجِي} من الإنجاء.
{بِمَفَازَتِهِمْ} مصدرٌ ميميٌّ إما من فاز بالمطلوب أي ظفر به، والباءُ متعلقة بمحذوفٍ هو حالٌ من الموصول مفيدةٌ لمقارنة تنجيتهم من العذاب لنيلِ الثَّواب أي ينجَّيهم الله تعالى من مَثْوى المتكبِّرينَ ملتبسين بفوزِهم بمطلوبِهم الذي هو الجنَّةُ. وقوله تعالى: {لاَ يَمَسُّهُمُ السوء وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} إمَّا حالٌ أخرى من الموصول أو من ضميرِ مفازتِهم مفيدةٌ لكون نجاتِهم أو فوزِهم بالجنة غيرَ مسبوقةٍ بمساس العذاب والحزن. وإمَّا من فازَ منه أي نجا منه، والباءُ للملابسة. قولُه تعالى: {لاَ يَمَسُّهُمُ} إلى آخرِه تفسيرٌ وبيانٌ لمفازتِهم أي ينجَّيهم الله تعالى ملتبسين بنجاتِهم الخاصَّةِ بهم أي بنفي السُّوءِ والحُزنِ عنهم أو للسَّببيةِ إمَّا على حذفِ المضافِ أي ينجيِّهم بسبب مفازتهم التي هي تقواهم كما يُشعر به إيراده في حيِّزِ الصِّلةِ، وإمَّا على إطلاقِ المفازةِ على سببها الذي هو التَّقوى وليس المرادُ نفيَ دوام المساسِ والحزن بل دوامَ نفيهما كما مرَّ مرارًا.
{الله خالق كُلّ شَىْء} من خيرٍ وشرَ وإيمان وكفر لكن لا بالجَبْرِ بل بمباشرة الكاسب لأسبابِها.
{وَهُوَ على كُلّ شيء وَكِيلٌ} يتولَّى التَّصرُّفَ فيه كيفما يشاء {لَّهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض} لا يملك أمرَها ولا يتمكَّن من التَّصرُّفَ فيها غيرُه وهو عبارة عن قُدرته تعالى وحفظِه لها. وفيها مزيدُ دلالةٍ على الاستقلالِ والاستبداد لأنَّ الخزائن لا يدخُلها ولا يتصرَّفُ فيها إلا من بيده مفاتيحُها. وهو جمعُ مِقْليدٍ أو مِقلادٍ من قلَّدتُه إذا ألزمتُه، وقيل: جمعُ إقليدٍ معرَّبُ كَلِيدٍ على الشُّذوذِ كالمذاكيرِ. وعن عثمانَ رضي الله عنه أنَّه سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن المقاليدِ فقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «تفسيرُها لا إلَه إلاَّ الله والله أكبرُ وسبحانَ الله وبحمدِه وأستغفرُ الله ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله العليَّ العظيمِ هو الأوَّلُ والآخرُ والظَّاهرُ والباطنُ بيدِه الخيرُ يُحيي ويُميتُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ» والمعنى على هذا أنَّ لله هذه الكلمات يُوحد بها ويُمجّد وهي مفاتيحُ خيرِ السَّمواتِ والأرضِ من تكلَّم بها أصابَه {والذين كَفَرُواْ بئايات الله أُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} متَّصلٌ بما قبله والمعنى أنَّ الله تعالى خالقٌ لجميعِ الأشياءِ ومتصرِّفٌ فيها كيفما يشاءُ بالإحياء والإماتة بيده مقاليدُ العالم العلويِّ والسُّفليِّ. والذي كفرُوا بآياته التَّكوينيَّةِ المنصوبةِ في الآفاق والأنفسِ والتَّنزيليةِ التي من جُملتها هاتيك الآيات النَّاطقةُ بذلك هم الخاسرون خُسرانًا لا خسارَ وراءه، هذا وقيل: هو متَّصلٌ بقوله تعالى {وينجِّي الله} وما بينهما اعتراضٌ فتدَّبر.
{قُلْ أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ أَيُّهَا أَيُّهَا الجاهلون} أي أبعدَ مشاهدةِ هذه الآياتِ غيرَ الله أعبدُ، وتأمروني اعتراضٌ للدِّلالةِ على أنَّهم أمرُوه به عَقيب ذلكَ وقالُوا استلمْ بعضَ آلهتِنا نؤمنُ بإلِهك لفرطِ غباوتِهم. ويجوزُ أن ينتصبَ غيرُ بما يدلُّ عليه تأمروني أعبدُ لأنَّه بمعنى تعبِّدونني، وتقولون لي أعبد على أنَّ أصلَه تأمرونني أنْ أعبدَ فحُذف أنْ ورُفعَ ما بعدَها كما في قوله:
أَلاَ أيُهذا الزَّاجري أحضُرَ الوَغَى ** وأنْ أشهدَ اللذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلدِي

ويؤيِّدهُ قراءةُ أعبدَ بالنَّصبِ وقُرئ {تأمرونني} بإظهارِ النُّونينِ على الأصلِ وبحذفِ الثَّانيةِ {وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ} أي من الرُّسلِ عليهم السَّلامُ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} كلامٌ واردٌ على طريقةِ الفرضِ لتهييجِ الرُّسلِ وإقناط الكفرةِ والإيذانِ بغايةِ شناعةِ الإشراكِ وقُبحهِ وكونِه بحيثُ ينهى عنه من لا يكادُ يمكن أنْ يباشرَه فكيف بمن عداهُ. وإفرادُ الخطاب باعتبار كلِّ واحدٍ واللامُ الأولى مُوطِّئة للقسمِ والأخريانِ للجوابِ وإطلاق الاحباطِ يحتملُ أنْ يكون من خصائصِهم عند الإشراكِ منهم لأنَّ الإشراكَ منهم أشدُّ وأقبحُ وأن يكون مقيدًا بالموتِ كما صَّرح به في قوله تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم} وعطفُ الخسران عليه من عطفِ المسبَّبِ على السَّببِ.
{بَلِ الله فاعبد} ردٌّ لما أمروه به ولولا دلالةُ التَّقديمِ على القصرِ لم يكن كذلك {وَكُنْ مّنَ الشاكرين} إنعامه عليك وفيه إشارة إلى ما يُوجب الاختصاصَ ويقتضيهِ.
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} ما قدرُوا عظمتَه تعالى في أنفسهم حقَّ عظمتِه حيثُ جعلُوا له شريكًا ووصفُوه بما لا يليقُ بشؤونِه الجليلةِ وقُرئ بالتَّشديدِ {والأرض جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} تنبيهٌ على غاية عظمتِه وكمالِ قُدرته وحقارةِ الأفعال العظامِ التي تتحيَّر فيها الأوهامِ بالنسبةِ إلى قدرته تعالى ودلالةٌ على أنَّ تخريبَ العالم أهونُ شيءٍ عليه على طريقةِ التَّمثيل والتَّخييلِ من غير اعتبارِ القبضةِ واليمينِ حقيقةً ولا مجازًا كقولِهم شابتْ لُمَّةُ اللَّيلِ. والقبضةُ المَّرةُ من القبضِ أُطلقت بمعنى القبضةِ هي المقدارُ المقبوضُ بالكفِّ تسميةً بالمصدرِ أو بتقديرِ ذات قبضةٍ. وقُرئ بالنَّصبِ على الظَّرفِ تشبيهًا للموقَّتِ بالمُبهمِ. وتأكيدُ الأرضِ بالجميع لأنَّ المرادَ بها الأرَضَون السَّبعُ أو جميعُ أبعاضِها الباديةِ والغائرة. وقُرئ {مطوياتٍ} على أنَّها حالٌ {والسَّمواتُ} معطوفةٌ على {الأرضُ} منظومةٌ في حُكمِها.
{سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ما أبعدَ وما أعلى مَنْ هذه قدرتُه وعظمتُه عن إشراكِهم أو عمَّا يُشركونه من الشُّركاءِ.
{وَنُفِخَ في الصور} هي النَّفخةُ الأولى {فَصَعِقَ مَن في السموات وَمَن في الأرض} أي خرُّوا أمواتًا أو مغشيًّا عليهم {إِلاَّ مَن شَاء الله} قيل: هم جبريلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ فإنَّهم لا يموتُون بعد وقيل: حَمَلةُ العرشِ.
{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى} نفخةٌ أخرى هي النَّفخةُ الثَّانيةُ. وأُخرى يحتملُ النَّصبَ والرَّفعَ.
{فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ} قائمون من قبورِم أو متوقفون. وقُرئ بالنَّصبِ على أنَّ الخبرَ {يُنظَرُونَ} وهو حالٌ من ضميرِه والمعنى يُقلِّبون أبصارَهم في الجوانبِ كالمبهوتينَ أو ينتظرون ما يفعل بهم.
{وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبّهَا} بما أقام فيها من العدلِ استُعير له النُّورُ لأنَّه يزيِّنُ البقاعَ ويُظهر الحقوقَ كما يسمَّى الظُّلم ظُلمةً. وفي الحديثِ: «الظُّلم ظلماتٌ يومَ القيامةِ» ولذلك أضيف الأسمُ الجليلُ إلى ضميرِ الأرضُ أو بنور خلقه فيها بلا توسُّطِ أجسامٍ مضيئةٍ ولذلك أُضيف إلى الاسمِ الجليلِ.
{وَوُضِعَ الكتاب} الحسابُ والجزاءُ من وضع المحاسبِ كتابَ المحاسبةِ بين يديه أو صحائفُ الأعمال في أيدي العمَّالِ واكتفى باسم الجنسِ عن الجمعِ وقيل: اللَّوحُ المحفوظُ يقابل به الصَّحائفُ.
{وَجِىء بالنبيين والشهداء} للأممِ وعليهم من الملائكةِ والمؤمنينَ وقيل: المُستشَهدون {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ} بين العباد {بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} بنقصِ ثوابٍ أو زيادةِ عقابٍ على ما جرى به الوعدُ.
{وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} أي جزاءَه {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} فلا يفوتُه شيءٌ من أفعالِهم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} في مشركي أهل مكة.